الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **
وهي وظيفة عظيمة الشان رفيعة المقدار وقد تقدم أن موضوعها التحدث فيما يتعلق بمبيعات بيت المال ومشترواته: من أرضٍ وغير ذلك مما يجري هذا المجرى وأن متوليها لايكون إلا من أهل العلم والديانة وأن له مجلساً بدار العدل: تارة يكون دون مجلس المحتسب وتارة فوق مجلسه بحسب رفعة قدر كل منهما في نفسه. وقد أضيف إليها في المباشرة نظر كسوة الكعبة الشريفة وصارا كالوظيفة الواحدة. وهذه نسخة توقيع بوكالة بيت المال: الحمد لله جامع المناصب الدينية لمن خطبته لها رتبتان: العلم والعمل ومكمل الرتب السنية لمن وجدت فيه أهبتان: الورع والتقى وعدمت منه خلتان: الحرص والأمل جاعل اختصاص الرتب بأكفائها حلية الدول والنظر في مصالحها الخاصة والعامة زينة أيامنا التي تتلفت إلى محاسنها أجياد الأيام الأول. نحمده على نعمة التي عصمت آراءنا من اعتراض الخلل وأمضت أوامرنا من مصالح الأمة بما تسري به المحامد سري النجوم ويسير به الشكر سير المثل. ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادةً لم نزل نستنطق بها في الجهاد ألسنة الأسل ونوقظ لإقامتها عيون جلاد لها الغمود جفون والسهام أهداب السيوف مقل ونشهد أن محمداً ورسوله الذي أظهر الله دينه على الأديان وشرف ملته على الملل وأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى وعاد ولم يكمل الليل بين السير والقفل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هجروا في المهاجر إليه الأحياء والحلل وشفوا بأسنة سنته العلل والغلل وتفردوا بكمال المفاخر فإذا خلعت الأقلام على أوصافهم حللاً غدت منها في أبهى من الحلل صلاةً تتوالى بالعشى والإبكار وتتواتر في الإشراق والطفل وسلم تسليماً كثيراً. وبعد فإن أولى الرتب بإنعام النظر في ارتياد أكفائها وانتقاد فرائد الأعيان لها وانتقائها واستخارة الله تعالى في اختيار من يكون أمر دينه هو المهم المقدم لديه واستنارة التوفيق في اصطفاء من يكون مهم آخرته هو المرئي المصور بين عينيه مع مااتصف به من محاسن سجايا جبلت عليها طباعة وخص به من سوابق مزايا رحب بها في تلقي المصالح الدينية صدره وباعه رتبتان يعم نفعهما ويخص ويحسن وقعهما بما يبديه من أوصافه ويقص ويتعلق كل منهما بجماعة الأمة فرداً فرداً ويشتملان على منافعهم على اختلافها بداً وإعادةً وعكساً وطرداً ويكون المتصدي لهما مناقشاً على حقوقهم وهم ساهون ومفتشاً عن مصالحهم وهم عنها لاهون ومناضلاً عنهم وهم غافلون ومشمراً للسعي في مصالحهم وهم في حبر الدعة رافلون ومتكلفاً لاستماع الدعوى عنهم جواب فلوات الجواب ومتكفلاً بالتحري في المحاورة عنهم وإصابة شاكلة الصواب ومؤدياً في نصحهم جهده تقرباً إلى مراضينا وله عندنا الرضا وابتغاء ثواب الله: ولما كان فلان هو الذي أمسكت الفضائل بما كملها من آداب نفسه ونفاسة آدابه وتجاذبته الرتب للتحلي بمكانته فلم تكن هذه التربة بأحق به من الأعلام لفظاً ونوهت بذكره العلوم الدينية التي أتقنها بحثاً وأكملها درايةً وأثبتها حفظاً فأوصافه كالأعلام المشتقة من طباعه والدالة بدوامها على انحصار سبب الاستحقاق فيه واجتماعه المنبهة على أنه هو المقصود بهذه الإشارات التي وراءها كل مايحمد من اضطلاعه بقواعد هذه الرتب واطلاعه فهو سر ما ذكر من نعوتٍ وأوصاف ومعنى ماشهر من معدلة وإنصاف ورقوم ماحبر من حلل أفيضت منه على أجمل أعطاف - رسم. أن يفوض. تفويضاً يقع به الأمر في أحسن مواقعه ونضع به الحكم في أحمد مواضعه ويحل من أجياد هذه المناصب محل الفرائد من القلائد ويقع من رياض هذه المراتب وقوع الحيا الذي سعد به رأي الرائد. فليباشر هاتين الوظيفتين مرهفاً في مصالحهما همةً غير همة مجتهداً من قواعدهما فيما تبرأ به عند الله منا ومنه الذمة محاققاً على حقوق بيت المال حيث كانت محاققة من يعلم أنه مطلوب بذلك من جميع الأمة متحرياً للحق فلا يغدو لما يجب له مهملاً ولا لما يجب عليه مماطلاً واقفاً مع حكم الله تعالى الجلي في الأخذ والعطاء فإنه سيان من ترك حقاً أو أخذ باطلاً مجرياً عوائد الحسبة على ماألف من تدبيره وعرف منإتقانه وتحريره وشهر من اعتماده للواجب في سائر أموره مكتفياً بما اطلع عليه قديماً من مصالحها منتهياً إلى ماسبقت معرفته به من أسبابها وهذه وصية وكيل بيت المال أوردها في التعريف. وهو الوكيل في جميع حقوق المسلمين وماله معهم إلا حق رجلٍ واحد والمكلف بالمخاصمة عنهم حتى يقر الجاحد وهو القائم للدعوى لهم وعليهم والمطلوب من الله ومنا بما يؤخذ لهم أو يؤخذ من يديهم والمعد لتصحيح العقود وترجيح جهة بيت المال في العقار المبيع والثمن المنقود والمتكلم بكتاب الوكالة الشرعية الثابتة والثابت القدم والأقدام غير ثابتة والمفسوح المجال في مجالس الحكام والمجادل بلسان الحق في الأحكام والموقوفة كل دعوى لم تسمع في وجهه أو في وجه من أذن له في سماعها والمرجوع إليه في إماتة كل مخاصمة حصل الضجر من طول نزاعها وإبداء الدوافع مالم يجد بداً من الإشهاد عليه بعدم الدافع والانتهاء إلى الحق كان له أو عليه ولايقف عند تثقيل مثقل " ولاشفاعة شافع وبوقوفه تحدد الحدود وتمتحن الشهود ويمشي على الطرق المستقيمة وتحفظ لأصحابها الحقوق القديمة وبه يتم عقد كل بيع وإيجار وإذا كانت المصلحة فيها لعامة المسلمين ظاهرة ولهم فيما يوكل عنهم فيه الحظ والغبطة بحسب الأوقات الحاضرة. ونحن نوصيه في ذلك كله بالعمل بما علم والانتهاء في مقتضى قولنا إلى مافهم وتقديم تقوى الله فإنه متى قدمها بين يديه سلم والوقوف مع رضا الله تعالى فإنه متى وقف معه غنم والعمل بالشرع الشريف كيفما توجهت به أحكامه والحذر من الوقوف إذا نفذت سهامه ومن مات له ورثة معروفة تستكمل بحقها ميراثه وتحوز بحظها تراثه لايكلفهم ثبوتاً يكون من باب العنت والمدافعة بحقٍ لايحتاج مستحقه إلى زيادة ثبت وإنما أنت ومن كانت فقضيته منكرة والمعروف من مستحقي ميراثه نكرة فأولئك شدد في أمرهم وأوط شهداءهم في الاستفسار منهم على جمرهم وتتبع باطن الحال لعله عنك لايتستر ولايمشي عليك فيه الباطل ويمشي شاهد الزور بكميه ويتبختر فإن تحققت صحة شهاداتهم وإلا فأشهرهم في الدنيا ودعهم في الآخرة لايخفف عنهم العذاب ولايفتر وكل مايباع أو يؤجر ارجع فيه إلى العواشد وتقلد أمر الصغير وجدد لك أمراً منا في الكبير وذلك بعد مراعاة ما يجب مراعاته والتأني كل التأني حتى يثبت ماينبغي إثباته وشهود القيمة عليهم المدار وبشهادتهم يقدر المقدار ومالم يكونوا من ذوي الأقدار ومن أهل الخبرة بالبر والجدار وممن اشترى العقار واستغله وبنى الدار وإلا فاعلم أن مثله لايرجع إليه ولايعول ولاسيما في حق بيت المال عليه فاتفق مع ولاة الأمور من أهل الأحكام على تعيين من تعين لتقليد مثل هذه الشهادة وتعرف منهم من له كل الخبرة حتى تعرف أنه من أهل الزهادة ولك أن تدعي بحق المسلمين حيث شئت ممن ترى أن حقه عنده يترجح وأن بينتهم تكون عنده أوضح فأما الدعوى عليك فمن عادتها أن لاتسمع إلا في مجلس الحكم العزيز الشافعي - أجله الله تعالى - ونحن لانغير العوائد ولاننقض مابنت الدول السالفة عليه القواعد فليكن في ذلك المجلس سماعها إذا تعينت وإقامة البينات عليها إذا تبينت والله الله في حق بيت المال ثم الله الله في الوقت الحاضر والمآل ومن تبستنيبهم عنك بالأعمال لاتقر منهم إلا من تقر به عينك ويوفى به عند الله بما تحصله من الدنيا دينك ومن كان لعمله مصلحاً ولأمله منجحاً ولاتغير عليه فيما هو فيه ودعه حتى يتبين لك خافيه ولتستقص في كل وقت عنهم الأخبار ولتستعلم حقائق ماهم عليه بمن تستصحبه من الأخيار ولاتزال منهم على يقين وعملٍ بما فيه خلاص دنيا ودين.
وهي من أجل الوظائف وأعلاها رتبةً في نفس الأمر. وموضوعها معروف وتختص هذه الطبقة من التواقيع بخطابة الجوامع. وهذه نسخة توقيع بخطابة الجامع بقلعة الجبل المحروسة حيث مصلى السلطان من إنشاء شهاب الدين محمود الحلبي: الحمد لله الذي أنار بالذكر قلوب أوليائه وكشف بالذكرى بصائر أصفيائه وأنال أهل العلم بالإبلاغ عنه إلى خلقه وراثة أنبيائه واختار لإذكارنا بآلاء الله من فرسان المنابر من يجاهد الأعداء بدعائه ويجاهر الأوداء من مواعظه بما يعلم كل منهم أن في مؤلم صوادعه دواء دائه فإذا افتتح بحمد الله أثنى عليه بمواد علمه حق ثنائه ونزهه بما ينبغي لسبحات وجهه وجلال قدسه وتقدس أسمائه وأثنى كما يجب على نبيه صلى الله عليه وسلم الذي آدم ومن بعده الرسل تحت لوائه وإذا تليت على خيل الله خطبته تشوقت لبقاء أعداء الله إلى لقائه وخطبت الجنان من بذل نفوسها ونفائسها بما أقتنته في سبيل الله لاتقائه. نحمده على أن جعلنا لذكره مستمعين ولأمره ونهيه متبعين وعلى حمده في كل ملأ من الأولياء مجتمعين. ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادةً لاتزال تختال بذكرها أعطاف المنابر وتتعطر ألسنة الأقلام بما تنقله منها عن أفواه المحابر ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي هدى الله من تقدم من الأمة بخبره ومن تأخر بخبره وجعل روضة من رياض الجنة بين قبره ومنبره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هم أول من عقدت بهم من الجمع صلواتها وأكرم من زهيت به من الجهاد والمنابر صهواتها صلاةً لانزال نقيمها عند كل مسجد ونديمها في كل متهم في الآفاق ومنجد وسلم تسليماً كثيراً. وبعد فإن أولى المنابر أن يرتاد له من أئمة العلماء علامة عصره ورحلة مصره وإمام وقته الذي يصدع بالحق وإن صدع وعالم زمانه الذي يقوم في كل مقام بما يناسبه مما يأخذ في الموعظة الحسنة ومايدع منبر نذكر بآلاء الله على أعواده وإن لم نزل لها من الذاكرين وننبه فيه على شكر الله بالرأفة على خلقه وإن لم نبرح لها بذلك وغيره من الشاكرين ونشوق عليه إلى الجهاد في سبيل الله بما أعد لما على ذلك من النصر والأجر وإن كنا على الأبد إليه مبادرين وإلى إقامة دعوة الحق به مباكرين. ولما كان فلان هو الذي تعين لرقي هذه الرتبة فخطب لخطابتها وتبين أنه كفؤها الذي تتشوق النفوس إلى مواعظه فترغب في إطالتها لإطابتها - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلي بفضائله أعطاف هذا المنبر الكريم وأن تحتص نحن وأولياؤنا بسماع مواعظه التي ترغب فيما عند الله بجهاد أعداء الله والله عنده أجر عظيم. فلذلك رسم بالأمر الشريف - لازال يطلع في أفق المنابر من الأولياء شمساً منيرة ويقيم شعائر الدين من الأئمة الأعلام بكل مشرق العلانية طاهر السريرة - أن يفوض إليه كذا: فليحل هذه الرتبة التي لم تقرب لغيره جيادها ويحل هذه العقيلة التي لاتزان بسوى العلم والعمل أجيادها ويرق هذه الهضبة التي يطول إلا على مثله صعودها ويلق تلك العصبة التي تجتمع للأولياء به حشودها. وهو يعلم أنه في موقف الإبلاغ عن الله لعباده والإعلام لما أعد الله في دار كرامته لمن جاهد في الله حق جهاده والإنذار لمن قصر في إعداد الأهبة ليوم معاده وهو بمحضر من حماة الإسلام ومشهد ممن قلدناه أمر أمة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة و السلام فليقصر خطبه على طاعة لله لولاة أمر قدمتها بين يديها وتوبةٍ يبعث الهمم على تعجيلها وأوقات مكرمة ينبه الأمم على احترامها بتقوى الله وتبجيلها ودنيا ينذر من خداعها ويبين للمغتر بها ماعرف من خلائقها المذمومة وألف من طباعها وأخرى يوضح للمعرض عنها وشك قدومها ويحذر المقصر في طلابها من عذابها ويبشر المشمر لها بنعيمها. وليعلم أن الموعظة إذا خرجت من الألسنة لم تعد الأسماع ولم يحصل منها على غير تعقل القرائن والأسجاع وإذا خرجت من القلوب وقعت في مثلها وأثمرت في الحال بالمحافظة على فرض الطاعة ونفلها وسكنت في السرائر طباع طاعة ٍ تأبى على محاول نقلها وقدحت في البصائر من أنواع المعرفة مالم يعهد من قبلها. وليجعل خطبه في كل وقتٍ مناسبةً لأحوال مستمعيها متناسبةً في وضوح المقاصد بين إدراك من يعي غوامض الكلام ومن لايعيها فخير الكلام ماقل ودل وإذا كان قصر خطبة الرجل وطول صلاته منبئين عن فقهه فما قصر من حافظ على ذلك ولاأخل وليوشح خطبه من الدعء لعموم الأمة فقد تعينت - إن شاء الله - الإصابة وهذه الوصايا على سيبل الذكرى التي تنفع المؤمنين وترفع المحسنين والله تعالى يجعله - وقد فعل - من أوليائه المتقين بمنه وكرمه إن شاء الله وهذه وصية خطيب أوردها في التعريف: وليرق هذه الرتبة التي رفعت له ذرا أعوادها وقدمت له من المنابر مقربات جيادها وليصعد منها على أعلى درجة وليسعد منها بصهوة كأنما كانت له من بكرة يومه المشرق مسرجة وليرع حق هذه الرتبة الشريفة والذروة التي ماأعدت إلا لإمامٍ فردٍ مثله أو خليفة وليقف حيث تخفق على رأسه الأعلام ويتكلم فتخرس الألسنة وتجف في فم الذرا الأقلام وليقرع المسامع بالوعد والوعيد ويذكر بأيام الله من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ويلين القلوب القاسية وإن كان منها ماهو أشد قسوةً من الحجارة والحديد وليكن قد قدم لنفسه قبل أن يتقدم وليسبل عليه درع التوبة قبل أن يتكلم وليجعل لكل مقام مقالاً يقوم به على رؤوس الأشهاد ويفوق منه سهماً لايخطيء موقعه كل فؤاد وليقم في المحراب مقام من يخشى ربه ويخاف أن يخطف الوجل قلبه وليعلم أن صدفة ذلك المحراب ماانفلقت عن ممثل درته المكنونة وصناديق الصدور ماأطبقت على مثل جوهرته المخزونة ولؤم بذلك الجم الغفير وليتقدم بين أيديهم فإنه السفير وليؤد هذه الفريضة التي هي من أعظم الأركان وأول الأعمال التي توضع في الميزان وأقرب القرب التي يجمع إليها داعي كل أذان وليقم بالصلاة في أوقاتها وليرح بها الإمام وعليه بالتقوى في عقد كل نية وأمام كل قضية والله تعالى يجعله ممن ينقلب إلى أهله وهو مسرور وينصب له الوظيفة السادسة الإمامة بالجوامع والمساجد والمدارس الكبار التي تصدر التولية عن السلطان في مثلها وهذه نسخة توقيع بالإمامة: أما بعد حمد الله على نعمه التي جعلت أيامنا الشريفة تزيد أهل الفضائل إكراماً وتخص بالسيادة والتقديم من أنشأه الله تعالى قرة أعينٍ وجعله للمتقين إماماً وقدمه على أهل الطاعة الذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً والشهادة له بالوحدانية التي تكسو مخلصها جلالاً وساماً والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أم الناس وعلمهم الصلاة وأظهر في إقامة الدين مقالاً محموداً ومقاماً وعلى آله وصحبه الذين تمسكوا بسنته توثقاً واعتصاماً - فإن خير الرتب في هذا العصر وفيما تقدم رتبة الإمامة حيث تقدم سيد البشر في محرابها على الأمة وأم فاختارها من اتبع الطريق المحمدية وشرعها وعلم سناءها ورفعها فزاد بذلك سمواً إلى سموه وحصل على تضاعف الأجر ونموه وهو فلان. رسم - لازالت إيامه الشريفة تشمل ذوي الأصالة والصدارة بجزيل فضلها وعوائد إنعامه تجري بإتمام المعروف فتبقي الرتب الدينية بيد مستحقها وتسارع إلى تخليد النعم عند أهلها - أن يستمر فلان في كذا جارياً فيه على أجمل العادات إعانةً له على اكتساب الأجور بما يعتمده من تأهيل معهد العبادات ورعايةً لتكثير المبار وترجيحاً لما اشتمل عليه من حسن النظر في كل إيراد وإصدار وتوفيراً للمناجح التي عرفت من بيته الذي كم ألف منه فعل جميل وعمل بار ووثوقاً بأنه يعتمد في عمارة مساجد الله سبحانه وتعالى أن تشهد به الملائكة المتعاقبون بالليل والنهار والله تعالى يجعل النعم عنده مؤبدة الاستقرار إن شاء الله تعالى.
وموضوعه إلقاء المسائل العلمية للطلبة وهذه نسخة توقيع بتدريس كتب به للقاضي عز الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة عوضاً عن والده في جمادى الآخرة سنة ثلاثين وسبعمائة وهي: الحمد لله متم فضله على كل أحد ومقر النعمة على كل والد وولد الذي خص أولياءنا ببلوغ الغايات في أقرب المدد واستصحاب المعروف فما ينوع منهم خاتم من يدٍ إلا ليد. نحمده بأفضل مايحمده به من حمد ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادةً باقية على الأبد ونصلي على سيدنا محمد نبيه الذي جعل شريعته واضحة الجدد قائمةً بأعلام العلماء قيام الأمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين شبههم في الهدى بالنجوم وهم مثلها في كثرة العدد وسلم تسليماً مكثيراً. وبعد فإن نعمنا الشريفة لاتتحول ومواهبنا الجزيلة لاتزال لأوليائنا تتخول وكرمنا يمهد منازل السعود لكل بدر يتنقل وشيمنا الشريفة ترعى الذمم لكل من أنفق عمره في ولائها وتحفظ مالها من المآثر القديمة بإبقائها من نجباء أبنائها مع مانلاحظه في استحقاق التقديم وانتخاب من ترقى منهم بين العلم والتعليم وحصل في الزمن القليل العلم الكثير واستم من نور والده وهو البدر المنير وعلم بأنه في الفضائل سر أبيه الذي شاع وخليفته الذي لو لم ينص عليه لما انعقد إلا عليه الإجماع والواحد الذي ساد في رتبة أبيه وماخلت من مثله - لاأخلى الله منه البقاع! وكان المجلس السامي القضائي الفلاني هو المراد بما قدمنا من صفاته الجميلة وتوسمنا أنه لمعة البدر وهي لاتخفى لأنها لاترد العيون كليلة ورأى والده المشار إليه من استحقاقه مااقتضى أن ينوه بذكره وينبه على المعرفة بحق قدره فآثر النزول له عما باسمه من تدريس الزاوية بجامع مصر المحروسة ليقوم مقامه ويقرر فوائده وينشر أعلامه ويعلم أنه قد حلق في العلياء حتى لحق البدر وبلغ تمامه فعلمنا أن البركة فيما أشار وأن اليمن بحمد الله فيما رجحه من الاختيار. فلذلك رسم بالأمر الشريف - زاد الله في شرفه وجعل أقطار الأرض في تصرفه - أن يرتب في هذا التدريس عوضاً عن والده أطال الله بقاءه على عادته وقاعدته إلى آخر وقت لأنه أحق من استحق قدره الرفيع التمييز وأولى بمصر ممن سواه لما عرفت به مصر من العزيز ثم من عبد العزيز. ونحن نوصيك أيها العالم - وفقك الله - بالمداومة على ما أنت بصدده والمذاكرة للعلم فإنك لاتكائر العلماء إلا بمدده والعمل بتقوى الله تعالى في كل قصد وتصدير وتقريب وتقرير وتأثيل وتأثير وتقليل وتكثير ونص وتأويل وترتيب وترتيل وفي كل ماتزداد به رفعتك وتطير به سمعتك ويحسن به الثناء على دينك المتين ويقوم به الدليل على ماوضح من فضلك المبين. واعلم بأنك قد أدركت بحمد الله تعالى وبكرمنا وبأبيك وباستحقاقك ما ارتد به كثير عن مقامك ووصلت في البداية إلى المشيخة في زاوية إمامك فاعمل في إفادة الطلبة بما يرفع الرافعي به الراية ويأتم بك إمام الحرمين في النهاية فقد أمسيت جار البحر فاستخرج جمانه واجتهد لتصيب في فتاويك فإن أوليك سهام رميها من كنانة وسبيل كل واقفٍ عليه العمل بمقتضاه والاعتماد وهذه نسخة توقيع بتدريس زاوية الشافعي بالجامع العتيق أيضاً من إنشاء المولى زين الدين بن الخضر موقع الدست كتب به لتاج الدين محمد الإخنائي شاهد خزانة الخاص بالنيابة عن عمه قاضي القضاة تقي الدين المالكي في أيام حياته مستقلاً بعد وفاته وهي: أما بعد حمد الله على أن زان مجالس المدارس في أيامنا الشريفة بتاجها وأقربها من ذوي الإنابة من يستحق النيابة عن تقي قوى الأحكام بإحكامها وإنتاجها ورفع قدر بيتٍ مباركٍ طالما اشتهر علم علمه وصدر عن صدره فكان مادة مسرة النفس وابتهاجها وجعل عوارفنا ترعى الذرية الصالحة في عقبها وتولي كل رتبة من أضحى لأهلها بوجاهته مواجهاً والشهادة له بالوحدانية التي: تنفي شرك الطائفة الكافرة ومعلول احتجابها والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي استقامت به أمور هذه الأمة بعد اعوجاجها وتشرفت به علماؤها حتى صارت كأنبياء بين اسرائيل بحسن استنباطها للجمل وجميل استخراجها وعلى آله وصحبه الذين علموا وعملوا وأوضحوا لهذه الملة قويم منهاجها - فإن أولى الأولياء ببلوغ الأمل وتعاهد مدارس العلم بصالح العمل وإظهار سر الفوائد للطالبين وحل عقود مشكلها بجميل الإطلاع وحسن اليقين ومن حوى معرفة الفروع والأصول وحاز من مذهبه المذهب خير محصول ونشأ في حجر الفضائل وأقوى الدلائل وله في الآباء والأبوة الديانة التي بلغ بها من الإقبال مرجوه طالما سارت أحكام عمه - أجله الله - في الأقطار وحكم فأبدى الحكم بين أيدينا أو في الأمصار وله العفاف والتقى والمآثر الجميلة وجميل الآثار والفتاوى التي أوضح بها مشكلاً وفتح مقفلاً والفصل بين الخصوم بالحق المحتلى والبركة التي لدولتنا الشريفة منها نصيب وافر والتصميم الذي اقترن بغزارة العلم والوقار الظاهر فهو - أعز الله أحكامه - من العلماء العاملين وله البشرى بما قاله أصدق القائلين في النبأ الذي تتم به الزيادة والنماء: " إنما يخشى الله من عباده العلماءً. ولما كان المجلس السامي هو الذي استوجب التصدير لإلقاء الدروس وأضحى محله مناسباً لمحلها أن يستقر في تدريس زواية الشافعي فلينب عن عمه في هذا التدريس وليقف مايسر النفوس من أثره النفيس وليفد الطلبة على عادته وليبد لهم من النقول مايظهر غزير مادته وليستنبط المسائل وليجب بالأدلة المسائل وليرجح المباحث وليكن لوالده - رحمه الله - أحق وارث وليستقل بهذه الوظيفة المباركة بعد وفاة عمه أبقاه الله تعالى وليتزيد من العلم ليبلغ من صدقاتنا الشريفة آمالاً والله تعالى يسدد له بالتقوى أقوالاً وأفعالاً بمنه وكرمه. وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الصلاحية المجاورة الرتبة الإمام الشافعي رضي الله عنه كتب به لقاضي القضاة تقي الدين ابن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز من إنشاء القاضي محي الدين بن عبد الظاهر وهي: الحمد لله شافي عي البحث بخير إمام الشافعي والآتي منه في الزمن الأخير بمن لو كان في الصدر الأول لأثنى على ورعه ودينه كل صحابي وتابعي ومفيد الأسماع من وجيز قولها المحرر ما لولا السبق لما عدل إلى شرح وجيز سواه الرافعي. نحمده على نعم ألهمت وضع الأشياء في محلها واستيداعها عند أهلها وتأتيها بمايزيل الإشكال بانجذاب من شكله مناسب لشكلها. ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادةً يتزين بها المقال ويتبين بها الحق من الضلال ونشهد أن محمداً عبده موضح الطرق إلى الحق المبين وناهجها إلى حيث مجتمع الهدى ومرتبع الدين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً تهدي إلى صراط الذين ورضي الله عن أصحابه الذين منهم جاء بالصدق وصدق به فقوي سبب الدين المتين ومنهم من فرق بين الحق والباطل وكان إمام المتقين وسمي أمير المؤمنين ومنهم من جهز جيش العسرة فثبت جأش المسلمين ومنهم من أعطاه صلى الله عليه وسلم الراية فأخذها منه باليمين ورضي اللع عن بقية الصحابة أجمعين. وبعد فلما كان مذهب الإمام الشافعي محم بن إدريس رضي الله عنه هو شهدة المتلفظ وكفاية المتحفظ وطراز ملبس الهدى وميدان الاجتهاد الذي لاتقف أعنة جياده عن إدراك المدى وقد تجملت ديار مصر من بركة صاحبه بمن تشد إليه الرحال وتفخر جبانة هو فيها حال وجيد هو بجواهر علومه حال ومن يحسن إلى ضريحه المنيف الاستناد وإذا قرئت كتبه لديه قيل ماأبعد هذا المرمى الأسنى! وما أسعد حلقة تجمع بين يدي جدثه يتصدر فيها أجل حبر ويتصدى لنشر العلوم بها من عرف بحسن السيرة عند السبر ومن لولا خرق العوائد لأجاب بالشكر والثناء عليه صاحب ذلك القبر كلما قال: قال صاحب هذا القبر - حسن بهذه المناسبة أن لاينتصب في هذا المنصب إلا من يحمد هذا السيد الإمام جواره ومن يرضيه - رضي الله عنه - حسن العبارة ومن يستحق أن يتصدر بين نجوم العلماء بدارة تلك الخطة فيقال قد جمل الله به دارة هذا البدر وعمر به من هذا المدرس داره الذي يفتقر إلى تنويل نعمه وتنويه قلمه من الأئمة كل غني ويعجب ببلاغة خطبه وصياغة كتبه من يحتلي ومن يجتني ومن يهنا المستفيدون من عذوبة ألفاظه وصفاء معانيه بالمورد الهني ومن إذا سح سحابه الهطال اعترف له بالمهو والهمول المزني والذي لسعد جده من أبيه ليث أكرم به من ليث وأكرم ببنيه من أشبال! وأعزز به من فاتح قعد كل ذي شماس وإذا أخذ بالنص ذهب الاقتياس وإذا قاس قيل هذا بحر المذهب المشار إليه بالأصابع في مصره جلالةً ولاينكر لبحر المصر الإشارة بالأصابع ولاالقياس بإحاطته وحياطته قلم الفتاوى وقلم التنفيذ ومن يفخر به كل عالم مفيد إذا قال: أنا بين يديه طالب وأنا له تلميذ ومن حيثما التفت وجدت له سؤدداً جماً وكيفما نظرت رأيت له من هنا حكماً!!! فهو الأصل ومن سواه فروع وهم الأثماد وهو الينبوع وهو مجموع السيادة المختار منه الإفادة فما أحسنه من اختيار وماأتمه من مجموع. وكان قاضي القضاة سيد العلماء رئيس الأصحاب مقتدى الفرق قدوة الطوائف الصاحب تقي الدين عبد الرحمن ولد الصاحب قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز أدام الله شرفه ورحم سلفه وهو منتهى رغبة الراغب ومشتهى منية الطالب ومن إذا أضاءت ليالي النفوس بأقمار فتاويه قيل بياض العطايا في سواد المطالب ومن تتفق الآراء على أنه بسن الكهولة شيخ المذاهب ومن عليه يسحن الاتفاق وبه يجمل الوفاق وإذا ولي هذا المنصب ابتهج بولايته إياه مالك في المدينة وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم في العراق واهتزت به وبمجاورة فوائده من ضريح إمامه جانب ذلك القبر طرباً وقالت الأم لقد أبهجت - رحم الله سلفك - بجدك وإبائك جداً وأباً ولقد استحقيت أن يقول لك منصب سلفك رضي الله عنهم: أهلاً وسهلاً ومرحباً وهذه نسمات صباً كانت الإفادة هنالك تعرفها منك من الصبا. فالحمد لله على أن أعطى قوس ذلك المحراب باريها وخص بشق سهامها من لايزال سعده مباريها وجمل مطلع تلك السماء ببدرٍ كم باتت عليه الدرر تحسد دراريها وألهم حسن الاختيار أن يجري القلم بما يحسن بالتوقيع الشريف موقعه ويجمل في أثناء الطروس وضعه وموضعه. فرسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني: - أجراه الله بالصواب وكشف بارتيائه كل ارتياب ولازال يختار وينتقي للمناصب الدينية كل عالم بأحكام السنة والكتاب - أن يفوض إليه تدريس المدرسة الصلاحية الناصرية المجاورة لضريح الإمام الشافعي بالقرافة رضي الله عنه. فليخول ولينول كل ذي استفادة وليجمل منه بذلك العقد الثمين من علماء الدين بأفخم واسطةٍ تفخر بها تلك القلادة وليذكر من الدروس مايبهج الأسماع ويرضي الانتجاع ويجاد به الانتفاع ويحتلبه من أخلاف الفوائد ارتضاء الارتضاع ويتناقل الرواة فوائده إلى علماء كل أفق من البقاع وليقل فإن الأسماع لفوائده منصتة والأصوات لمباحثه خاشعة والقلوب لمهابته مخبتة ولينهض قوي المسائل بما يحصل لها أعظم انتعاش وليمت ماأماته من البدع فيقال به له: هذا محمد بن إدريس مذ قمت أنت عاش وليسمع بعلومه من به من الجهل صمم وليستنطق من به من الفهاهةبكم وليحقق عند الناس يتعصبه لهذا الإمام أنه قد قام بالتنويه به الآن الحاكم ابن الحاكم أخو الحاكم كما قام به فيما سلف بنو عبد الحكم. وأما غير ذلك من الوصايا فهو بحمد الله صاحب إلهامها وجالب أقسامها وجهينة أخبارها ومطلع أنوارها فلا يعاد عليه مامنه يستفاد ولا ينثر عليه در هو منظمه في الأجياد والله تعالى يعمر بسيادته معالم الدين وأكنافه ويزين بفضله المتين أوساط كل مصر وأطرافه ويضيف إليه من السمتفيدين من بإرفاقه وإشفاقه يكون عيشه خفضاً بتلك الإضافة ويجعله لايخصص حنةه بمعهد دون معهد ولابمسافةً دون مسافةٍ ويبقيه ومنفعته إلى ساريةٍ سارية الإطافة واللطافة وألطافه بهذه الولاية تقول لكل طالبٍ في القرافة الق رافه. قلت: ولما توفي قاضي القضاة بدر الدين بن أبي البقاء - تغمده الله تعالى برحمته - وكان من جملة وظائفه تدريس هذه المدرسة كان السلطان قد سافر إلى الشام في بعض الحركات فسافر ابنه أقضى القضاة جلال الدين حتى أدرك السلطان بالطريق على القرب من غزة فولاه الوظيفة المذكورة مكان أبيه وكان القاضي نور الدين بن هلال الدولة الدمشقي حاضراً هناك فأشار إليه القاضي فتح الدين فتح الله كاتب السر الشريف - عامله الله بلطفه الخفي - بإنشاء صدر لتوقيعه يسطر به للعلامة الشريفة السلطانية فأنشأ له سجعتين هما: الحمد لله الذي أظهر جلال العلماء الشافعية بحضرة إمامهم وأقام سادات الأبناء مقام آبائهم في بث علومهم وصلاتهم وصيامهم. ولم يجاوز ذلك إلى غيره فسطر التوقيع بهاتين السجعتين وعلم عليه العلامة السلطانية. وكان من قول نور الدين بن هلال الدولة للقاضي جلال الدين المذكور: إن هذا التوقيع يبقى أبيض: فإنه ليس بالديار المصرية من ينهض بتكملته على هذا الأسلوب. فسمع القاضي كاتب السر كلامه فكتب لي بتكملته على ظهره وعاد به القاضي جلال الدين فأعطانيه وأخبرني بكلام ابن هلال الدولة وكان من قوله فتلكأت عن ذلك ثم لم أجد بداً من إكماله وإن لم أكن من فرسان هذا الميدان فأنشأت له تينك السجعيتن ماأكملته به فجاء منه تلو السجعتين السابقتين اللتين أنشأهما ابن هلال الدولة: وخص برياسة العلم أهل بيتٍ رأت كهولهم في اليقظة مايتمنى شيوخ العلماء أن لو رأوه من منامهم. وجاء من وسطه: اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننوه بذكره ونقدمه على غيره ممن رام هذا المقام فحجب دونه والله غالب على أمره وجاء في آخره: والله تعالى يرقيه إلى أرفع الذرا وهذه الرتبة وإن كانت بدايته فهي نهاية غيره وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا وقد أعوزني وجدان النسخة عند إرادة إثباتها في هذا التأليف لضياع مسودتها ولم يحضرني منها غير ماذكرته. وفيما تقدم من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر من توقيع القاضي تقي الدين ابن بنت الأعز مالاينظر مع وجوده إلى غيره. وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الصلاحية بمصر المختصة بالمالكية المعروفة بالقمحية بمصر المحروسة أنشأته لقاضي القضاة جمال الدين الأفقهسي وهي: الحمد لله الذي زين معالم المدارس من أعلام العلماء بحمالها وميز مراتب الكملة بإجراء سوابق الأفكار في ميادين الدروس وفسيح مجالها وعمر معاهد العلم بأجل عالم إذا ذكرت وقائع المناظرة كان رأس فرسانها وريس رجاله وناط مقاصد صلاح الدين بأكمل حبر إذا أوردت مناقبه المأثورة تمسك أهل الديانة منها بوثيق حبالها. نحمده على اختيار الجواهر والإعراض عن العرض والتوفيق لإدراك المرامي وإصابة الغرض. ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له الذي خص أهل العلم بكريم جبائه وشرف مقامهم في الخليقة فجعلهم في حمل الشريعة ورثة أنبيائه شهادةً تعذب لقائلها بحسن الإيراد ورداً وتجدد لمنتحليها بمواطن الذكر عهداً فيتخذ بها عند الرحمن عهداً ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل نبي علم وعلم وأكرم رسولٍ فصل الأحكام إذ شرع وندب وأوجب وحلل وحرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين عنوا بتفسير كتاب الله تعالى فأدركوا دقيق معانيه واهتموا بالحديث روايةً ودرايةً ففازوا بتأسيس فقه الدين وإقامة مبانيه صلاةً تحيط من بحار العلم بزاخرها وتأخذ من الدروس بطرفيها فتقارن الحمد في أولها وتصحب الدعاء في آخرها ماتتبع بالمنقول مواقع الأثر وعول في المعقول على إجالة الفكر وإجادة النظر وسلم تسليماً كثيراً. وبعد فإن أولى ماصرفت النفوس إليه هممها وأخلصت فيه نيتها وخلصت من تبعاته ذممها وتبعت فيه آثار من سلف من الملوك الكرام وأعارته كلي نظرها وقامت بواجبه حق القيام - أمر المدارس التي هي مسقط حجر الاشتغال بالعلك ومستقر قاعدته وقطب فلك تطلابه ومحيط داشرته وميدان فرسان المشايخ ومدار رجالها ومورد ظماء الطلبة ومحط رحالها لاسيما المدارس الأيوبية التي أسس على الخير بناؤها وكان عن صلاح الدين منشؤها فتألق برقها واستطار ضياؤها. ومن أثبتها وثيقة وأمثلها في الترتيب طريقة المدرسة القمحية بالفسطاط الآخذة من وجوه الخير بنطاقها والمخصوص بالسادة المالكية امتداد رواقها إن اعتبرت رعاية المذاهب قالت: قد مالك ومامالك وإن عملت حسبة المدارس في البر كانت لها فذالك قد رتب بها أربعة دروسٍ فكانت لها كالأركان الأربعة وجعلت صدقتها الجارية براً فكانت أعظم براً وأعم منفعة. ولما كان المجلس العالي القاضوي الشيخي الكبيري العالمي العاملي الأفضلي الأكملي الأوحدي البليغي الفريدي المفيدي النجيدي القدوي الحجي المحققي الإمامي الجمالي: جمال الإسلام والمسلمين شرف العلماء العاملين أوحد الفضلاء المفيدين قدوة البلغاء زين الأمة وحد الأئمة رحلة الطالبين فخر المدرسين مفتي الفرق لسان المتكلمين حجة الناظرين خالصة الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين أبو محمدعبد الله الأقفهسي المالكي - ضاعف الله تعالى نعمته - هو عين أعيان الزمان والمحدث بفضله في الآفاق وليس الخير كالعيان ماولي منصباً من المناصب إلا كان له أهلاً ولأراد الانصراف من مجلس علم إلا قال له مهلاً ولارمى إلى غاية إلا أدركها ولاأحاط به منطقة طلبةٍ إلا هزها بدقيق نظره للبحث وحركها وإن أطال في مجلسه أطاب وإن أوجز قصر محاوره عن الإطالة وأناب وإن أورد سؤالاً عجز مناوئه عن جوابه أو فتح باباً في المناظرة أحجم مناظره عن سد بابه وإن ألم ببحث أربى فيه وأناف وإن أفتى بحكم اندفع عنه المعارض وارتفع فيه الخلاف فنوارده المدونة فيها البيان والتحصيل ومقدماته المبسوطة إجمالها يغني عن التفصيل ومشارقه النيرة لايأفل طالعها ومداركه الحسنة لايسأم سامعها وتهذيبه المهذب جامع الأمهات وجواهره الثمينة لاتقاوم القيمة ولاتضاهى في الصفات - اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننوه بذكره ونقدمه على غيره ممن حاول ذلك فامتنع عليه فليتلق ذلك بالقبول ويبسط في مجالس العلم لسانه فمن كان بمثابته في الفضل حق له أن يقول ويطول وملاك الأمر تقوى الله تعالى فهي خير زاد والوصايا كثيرة وعنه تؤخذ ومنه تستفاد والله تعالى يبلغه من مقاصده الجميلة غاية الأمل ويرقبه من هضاب المعالي إلى أعلى مراتب الكمال وقد فعل والاعتماد على الخط الشريف أعلاه تعالى أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع أيضاً بتدريس المدرسة الصلاحية المذكورة أنشأته للقاضي شمس الدين محمد ابن المرحوم شهاب الدين أحمد الدفري المالكي في شعبان سنة خمس وثمانمائة وهو: الحمد لله مطلع شمس الفضائل في سماء معاليها ومبلغ دراري الذراري النبيهة الذكر بسعادة الجد غاية غيرها في مباديها وجاعل صلاح الدين أفضل قصدٍ فوقت العناية سهامها بإصابة غرضه في مراميها ومجدد معالم المدارس الدراسة بخير نظر يقضي بتشييد قواعدها وإحكام مبانيها. نحمده على أن صرف إلى القيام بنشر العلم الشريف اهتمامنا وجعل بخيرته العائدة إلى التوفيق في حسن الاختيار اعتصامنا. ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له مفيض نتائج الأفكار من وافر إمداده ومخصص أهل التحقيق بدقيق النظر تخصيص العام بقصره على بعض أفراده ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أوفر البرية في الفضل سهماً والقائل تنويهاً بفضيلة العلم: لابورك لي في صبيحة يومٍ لا أزداد فيه علماًصلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حلوا من الفضل جواهره الثمينة والتابعين وتابعي التابعين الذين ضربت آباط الإبل منهم إلى عالم المدينة. وبعد فإن أولى ماصرفت إليه الهمم وبرئت بتأدية حقه الذمم وغدت النفوس بالنظر في مصالحه مشتغلة والفكر لشرف محله منه إلى غيره متنقلة والنظر في امر المدارس التي جعلت للاشتغال بالعلم سبباً موصولاً ولطلبته ربعاً لايزال بمجالس الذكر مأهولاً لاسيما المدارس التي قدم في الإسلام عهدها وعذب باستمرار المعروف على توالي الأيام وردها. ولماكانت المدرسة الصلاحية بفسطاط مصر المحروسة قد أسس على التقوى بنيانها ومهدت على الخير قواعدها وأركانها واختصت طائفة المالكية منها بالخصيصة التي أغنى عن باطن الأمر عنوانها وكان المجلس السامي هو الذي خطبته الرتب الجليلة لنفسها وعينته لهذا الوظيفة فضائله التي قد آن ولله الحمد بزوغ شمسها وعهدت منه المعاهد الجليلة حسن النظر فتاقت في يومها إلى ماألفت منه في أمسها - اقتضى حسن الرأي الشريف أن نفرده بهذه الوظيفة التي يقوم إفراده فيها مقام الجمع ونجمع له من طرفيها مايتفق على حسنه البصر ويقضي بطيب خبره السمع. فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري الزيني: - لازال يقيم للدين شعاراً ويرفع لأهل العلم الشريف مقداراً - أن يستقر في الوظيفة المذكورة لما اشتهر من علمه وديانته وبان عفته المشهورة ونزاهته واتصف به من الإفادة وعرف عنه من نشر العلوم في الإبداء والإعادة وشاع من طريقته في إيضاحه وبيانه وذاع من فوائده التي قدمته على أبناء زمانه ورفعته إلى هذه المرتبة باستحقاقه على أقرانه. فليباشر تدريسها مظهراً من فوائده الجليلة ماهو في طي ضميره مضمراً من حسن بيانه كما يستغنى بقليله الجليلة ماهو في طي ضميره مضمراً من حسن بيانه مايستغنى بقليله عن كثيره مقرباً إلى أذهان الطلبة بتهذيب ألفاظه الرائقة مايفيد مورداً من علومه المدونة مايجمع له بين نوادر المقدمات ومدارك التمهيد موفياً نظرها بحسن التدبير حق النظر مفراً رزقها بما يصدق الخبر فيه الخبر قاصداً بذلك وجه الله الذي لايخيب لراج أملاً معاملاً فيه الله معاملة من يعلم أنه لايضيع أجر من أحسن عملاً. وملاك الوصايا تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه ويتخيلها في كل الأحوال أمامه ويتخيلها في كل الأحوال أمامه والله تعالى يسدده في قوله وعمله ويبلغه من رضاه نهاية سؤله وغاية أمله إن شاء الله تعالى. وهذه نسخة توقيع بالتدريس بقبة الصالح أنشأته لقاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطيبعد أن كتب له بها مع قضاء القضاة المالكية في العشر الأخير من شعبان سنة أربع وثمانمائة وهي: الحمد لله الذي جعل للعلم جمالاً تتهافت على دركه محاسن الفضائل وتتوارد على ثبوت محامده المتواردة قواطع الدلائل وتحقق شواهد الحال من فضله مايتلمح فيه من لوائح المخايل. نحمده على نعمه التي مااستهلت على ولي فأقلع عنه غمامها ولا استقرت بيد صفي فانتزعت من يده حيث تصرف زمامها ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة تزهر بمعالم الدين غروسها وتينع بثمار الفوائد المتتابعة دروسها وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله أشرف الأنبياء قدراً وأولهم في علو المرتبة مكاناً وإن كان آخرهم في الوجود عصراً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الحائرين بقربه أفخر المناقب والفائزين من درجة الفضل بأرفع المراتب صلاةً تكون لحلق الذكر نظاماً ولأولها افتتاحاً ولآخرها ختاماً وسلم تسليماً كثيراً. وبعد فإن من شيمنا الشريفة وسجايانا الزاكية المنيفة أنا إذا منحنا منحاً لانستعيده وإذا أعطينا عطاءً لاننقصه بل نزيده وإذا قربنا ولياً لا نقصيه وإذا أنعمنا على صفي إنعاماً لانعده عليه ولانحصيه. ولما كان تدريس المدرسة المالكية بقبة الصالح من أعلى دروسهم قدراً وأرفعها لدى التحقيق ذكراً وأعظمها إذا ذكرت الدروس فخراً إذ بمجال جداله تنفطر المرائر وبميدان مباحثه تشتهر البلق من مضمرات الضمائر وبسوق مناظرته يتميز النضار عن الشبه وبمحك مطارحته تتبين الحقائق من الشبه وبمظان مجلسه يعرف العالي والسافل وبمعركة فرسانه يعرف من المفصول والفاضل ومن ثم لايليه من علمائهم إلا الفحول ولايتصدى لتدريسه إلا من أمسى بحسام لسانه على الأقران يصول ولم يزل في جملة الوظائف المضافة لقضاء القضاة في الأول والآخر تابعاً لمنصب الحكم في الولاية كل زمن إلا القليل النادر وكان المجلس العالي القاضوي الكبيري إلى آخر ألقابه أدام الله تعالى نعمته قد اشتملت ولايته عليه لابتداء الأمر استحقاقاً وحفظه كرمنا عليه فلم يجد الغير إليه استطراقاً - اقتضى حسن الرأي الشريف أن نتبع ذلك بولاية ثانيةٍ تؤكد حكم الولاية الأولى ونردفه بتوقيع يجمع له شرف القدمة والجمع ولو بوجه أولى. فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري الزيني - لازال يعتمد في مشاهد الملوك أتم المصالح ويخص الصالح منهم بمزيد النتظر حتى يقال ماأحسن الناصر في مصالح الصالح - أن يستمر المجلس العلاي المشار إليه على مابيده من الولاية الشريفة بالتدريس بقبة الصالح المذكورة ومنع المعارض وإبطال ماكتب به وماسيكتب مادام ذلك في يده على أتم العوائد وأكملها وأحسن القواعد وأجملها. فليتلق مافوض إليه بكلتا يديه ويشكر إحساننا الشريف على هذه المنحة فإنها نعمة جديدة توجب مزيد الشكر عليه وليتصدر بهذا الدرس الذي لم تزل القلوب تتقطع على إدراكه حسرات وليتصدر بهذا الدرس الذي لم تزل القلوب تتقطع على إدراكه حسرات ويتصد لإلقاء فوائده التي إذا سمعها السامع قال: هنا تسكب العبرات ويبرز لفرسان الطلبةمن. صدره من كمينه ويفض على جداولهم الجافة ماسح به فكره من ينابيع معينه مستخرجاً لهم من قاموس قريحته درر ذلك البحر الزاخر مظهراً من مكنون علمه مالايعلم لمدة أول ولايدرك لمداه آخر وينفق من ذخائر فضله ماهو بإنفاقه ملي متفقداً لفضل غنائه من هو عن فرائده المربحة غير غني مقرراً للبحث تقريراً يزول معه الالتباس مسنداً فروعه النامية إلى أثبت الأصول من الكتاب والسنة والإجماع والقياس معتمداً لما عليه جادة مذهبه في الترجيح جارياً على ما ذهب إليه جهابذة محققيه من التصحيح مقبلاً بطلاقة وجهه في درسه على جماعته باذلاً في استمالتهم طاقة جهده محسناً في التعليم مايبقى له ذكره على الأبد منمياً ناشئتهم بالتدريب الحسن تنمية الغروس جاهداً في ترقيهم بالتدريج حتى يؤهل من لم يكن تظن فيه أهلية الطلب لأن يتصدى للفتاوى وإلقاء الدروس سالكاً من مناهج التقوى أحسن المسالك مورداً من تحقيقات مذهبه ماإذا لمحة اللامح لم يشك أن لزمام المذهب مالك والله تعالى يجريه على ماألفه من موارد إنعامه ويمنع هذه الرتبة السنية: تارة بمجالس دروسه وتارةً بمجالس أحكامه والاعتماد. وهذه نسخة توقيع بتدريس الحديث بالجامع الحاكمي من إنشاء الشهاب محمود الحلبي للشيخ قطب الدين عبد الكريم وهي: الحمد لله الذي أطلع في أفق السنة الشريفة من أعلام علمائها قطباً وأظهر في مطالعها من أعيان أئمتها نجوماً أضاء بهم الوجود شرقاً وغرباً وأقام لحفظها من أئمة أعلامها أعلاماً أحسنوا عن سندها دفاعاً وأجملوا عن متونها ذباً وشرف بها أهلها فكلما بعدت راحلتهم في طلبها ازدادوا من الله قرباً واختار لحملها أمناء شغفت محاسنهم قلوب أهل الفرق على اختلافها حباً وسلكوا باتباعها سنن السنن فأمنوا أن تروع لهم الشبه سرباً وألهمنا من تعظيم هذه الطائفة مامهد لهم في ظل تقربنا إليه مقاماً كريماً ومنزلاً رحباً وعصم آراءنا في الارتياد له من الخلل فلا نختار له إلا من تسر باختباره طلبة وتغبط بتعيينه نحمده على نعمه التي صانت هذه الرتبة السنية بأكفائها وزانت هذه المرتبة الشريفة بمن لم تمل عينه في تأثيل قواعدها إلى إغفائها وجعلت هذه الدرجة العلية فلكاً تشرق فيه لاشمة الحديث أننوار علوم تفنى الدهور دون إطفائها. ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة مجادل عن سنته الشريفة بألسنة أسنته مجالدٍ عن كلمتها بقبض معاقد وإطلاق أعنته باعث بالجهاد دعوتها إلى كل قلب كان عن قبولها في حجب أكنته ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أوتي جوامع الكلم ولوامع السنة التي من اعتصم بهاعصم ومن سلم بها سلم فهي مع كتاب الله أصل شرعه القويم وحبل حكمه الذي لاتتمكن يد الباطل من حل عقده النظيم وكنوز دينه التي لايلقاها إلا ذو حظ عظيم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين عضوا على سنته بالنواجذ وذبوا عن شريعته بسيوف الجلاد القواطع وسهام الجدال النوافذ صلاةً لايزال يقام فرضها ويملأ بها طول البسيطة وعرضها وسلم تسليماً كثيراً. وبعد فإن أولى ماتوجهت الهمم إلى ارتياد أئمته وتوفرت الدواعي على التقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفويض مناصبه إلى البررة الكرام من أمته - علم الحديث النبوي صلوات الله وسلامه على قائله وحفظه بدروسه التي جعلت أواخر زمنه في صحة نقله ومعرفة أسراره كأوائله وأن نختار لذلك من نشأ في طلبه حتى اكتهل وسرى في تحصيله سرى الأهلة حتى اكتمل وغذي بلبان التبحر فيه حتى امتزج بأديمه وجد في تحصيله واجتهد حتى ساوى في الطلب بين حديث عمره وقديمه وحفظ من متونه مابمثله يستحق أن يدعى حافظاً وغلب على فنونه حتى قل أن يرى بغير علومه والنظر في أحكامه لافظاً فإنه بعد كتاب الله العزيز مادة هذا الدين الذي يحكم بنصوصه وتتفاوت رتب العلماء في حسن العمل بمطلقه ومقيده وعمومه وخصوصه وعنهما تفرعت أحكام الملة فملأت علومها جميع الآفاق وزكت أحكامها الشرعية على كثرة الإنفاق وسرى الناس منها على المحجة التي استوى في الإشراق ليلها ونهارها وعلا على الملل بالبراهين القاطعة نورها ومنارها وكفى أهلها شرفاً أنهم يذبون عن سنة نبيهم ذب الليوث ويجودون على الأسماع بما ينفع الناس في أمر دينهم ودنياهم منها جود الغيوث ويحافظون على ألفاظها محافظة من سمعها منه صلى الله عليه وسلم ويعظمون مجالس أقرادها ونقلها حتى كأنهم لحسن الأدب جلوس بين يديه ويغالون في العلو طلباً للقرب منه وذلك من أسنى المطالب ويرحلون لضم شوارده من الآفاق فياقرب المشارق عندهم من المغارب! ولما كان المجلس السامي الفلاني: هو الذي عني بكل ماذكر من وصفٍ كريم وحديث ورع قديم وقدم هجرة في علم الحديث اقتضت له حسن أولوية ووجوب تقديم وتلقى هذا العلم كما وصف عن أئمته حتى صار من أعيانهم ولقي منهم علماء أضحى باقتفائهم كما كتانوا رحلة زمانهم ونظر في علومه فأتقنها فكأنه ينطق فيها بلسان ابن الصلاح وأحرز غايات الكمال في أسماء الرجال فإلى إطلاعه يرجع في تجريح المجرح وتعديل الصحاح وكان منصب تدريس الحديث الشريف النبوي الذي أنشأناه بالجامع الحاكمي تكثيراً لنشر أحاديث من لاينطق عن الهوى ونويناه لارتواء الرواة من بحر هذا العلم الشريف بالإعانة على ذلك وإنما لكل امريء مانوى قد استغرقت أوقات مباشره بتفويضنا الحكم العزيز على مذهبه إليه وتوفير زمانه على . قلت: وتختلف أحوال التواقيع التي تكتب بالتداريس باختلاف موضوعاتها: من تدريس التفسير والحديث والفقه واللغة والنحو وغير ذلك في براعة الاستهلال والوصايا وهو في الوصايا آكد. وهذه نسخ وصايا أوردها في التعريف: وصية مدرس - وليطلع في محرابه كالبدر وحوله هالة تلك الحلقة وقد وقت أهداب ذلك السواد منه أعظم اسوداداً من الحدقة وليرق سجادته التي هي لبدة جواده إذا استن الجدال في المضمار وليخفأضواء أولئك العلماء الذين هم كالنجوم كما تتضاءل الكواكب في مطالع الأقمار وليبرز لهم من وراء المحراب كمينه وليفض على جداولهم الجافة معينه وليقذف لهم من جنبات مابين جنبيه درر ذلك البحر العجاج وليرهم من غرر حجياده مايعلم به أن سوابقه لايهولها قطع الفجاج وليظهر لهم من مكنون علمه ماكان يخفيخ الوقار وليهب من ممنون فضله مايهب منه عن ظهر غنى أهل الافتقار وليقرر تلك البحوث ويبين مايرد عليها ومايرد به من منعها وتطرق بالنقض إليها حتى لاتنفصل الجماعة إلا بعد ظهور الترجيح والإجماع على كلمةٍ واحدةٍ على الصحيح وليقبل في الدروس طلق الوجه عغلى جماعته وليستملهم إليه بجهد استطاعته وليربهم كما يربي الوالد الولد وليستحسن ماتجيء به أفكارهم وإلا فكم رجل بالجبه لبنت فكر وأد هذا إلى أخذهم بالاشتغال وقدح أذهانهم للاشتعال ولينشيء الطلبة حتى ينمي منهم الغروس ويؤهل منهم من كان لايظن منه أنه يتعلم لأن يعلم ويلقي الدروس. وصية مقريء: وليدم على ماهو عليه من تلاوة القرآن فإنه مصباح قلبه وصلاح قربه وصباح القبول المؤذن له برضا ربه وليجعل سوره له أسواراً وآياته تظهر بين عينيه أنواراً وليتل القرآن بحروفه وإذا قرأ استعاذ وليجمع طرقه وهي التي عليها الجمهور ويترك الشواذ ولايرتد دون غايةٍ لإقصار ولايقف فيعد أن أتم لم يبق بحمد الله إحصار وليتوسع في مذاهبه ولايخرج عن قراءة القراء السبعة أئمة الأمصار وليبذل للطلبة الرغاب وليشبع فإن ذوي النهمة سغاب ولير الناس ماوهبه الله من الاقتدار فإنه احتضن السبع ودخل الغاب وليتم مباني ماأتم ابن عامر و أبو عرو له التعمير ولفه الكسائي في كسائه ولم يقل جدي ابن كثير وحم به لحمزة أن يعود ذاهب الزمان وعلم أنه لا عاصم من أمر الله يلجأ معه إليه وهو الطوفان وطفق يتفجر عليماً وقد وقفت السيول الدوافع وضر أكثر قراء الزمان لعدم تفهيمهم وهو نافع وليقبل على ذوي الإقبال على الطلب وليأخذهم بالتربية فما منهم إلا من هو إليه قد انتسب وهو يعلم مامن الله عليه بحفظ كتابة العزيز من النعماء ووصل سببه منه بحبل الله الممتد من الأرض إلى السماء فليقدر حق هذه النعمة بحسن إقباله على التعليم والإنصاف إذا سئل فعلم الله مايتناهى وصية محدث: وقد أصبح بالسنة النبوية مضطلعاً وعلى ماجمعته طرق أهل الحديث مطلعاً وصح في الصحيح أن حديثه الحسن وأن المرسل منه في الطلب مقطوع عنه كل ذي لسن وأن سنده هو المأخوذ عن العوالي وسماعه هو المرقص منه طول الليالي وأن مثله لايوجد في نسبة المعرق ولايعرف مثله للحافظين ابن عبد البر بالمغرب و خطيب بغداد بالمشرق وهو يعلم مقدار طلب الطالب فإنه طالما شد له النطاق وسعى له سعيه وتجشم المشاق وارتحل له يشتد به حرصه والمطايا مرزمة وينبهه له طلبه والجفون مقفلة والعيون مهومة ووقف على الأبواب لايضجره طول الوقوف حتى يؤذن له في ولوجها وقعد القرفصاء في المجالس لاتضيق به على قصر فروجها. فليعامل الطلبة إذا أتوه للفائدة معاملة من جرب ولينشط الأقرباء منهم ويؤنس الغرباء فما هو إلا ممن طلب آونةً من قريب وآونةً تغرب وليسفر لهم صباح قصده عن النجاح ولينتق لهم من عقوده الصحاح وليوضح لهم الحديث وليرح خواطرهم بتقريبه ماكان يسار إليه السير الحثيث وليؤتهم مما وسع الله عليه في المجال ويعلمهم مايجب تعليمه من المتون والرجال ويبصرهم بمواقع الجرح والتعديل والتوجيه والتعليل والصحيح والمعتل الذي تتناثر فيه عن دراسة أويقنع فيه بمجرد رواية ومثله مايزاد حلماً ولايعرف بمن رخص في حديثٍ موضوعٍ أو كتم علماً. وصية نحوي: وهو زيد الزمان الذي يضرب به المثل وعمرو الأوان وقد كثر من سيبويه الملل ومازني الوقت ولكنه الذي لم تستبح منه الإبل وكسائي الدهر الذي لو تقدم لما اختار غيره الرشيد للمأمون وذو السؤدد لا أبو الأسود مع أنه ذو السابقة والأجر الممنون وهو ذو البر المأثور والقدر المرفوع ولواؤه المنصوب وذيل فخاره المجرور والمعروف بما لاينكر لمثله من الحزم والذاهب عمله الصالح بكل العوامل التي لم يبق منها لحسوده إلا الجزم وهو ذو الأبنية التي لايفصح عن مثلها الإعراب ولايعرف أفصح منها فيما أخذ عن الأعراب والذي أصبحت أهدابه فوق عمائم الغمائم تلاث ولم يزل طول الدهر يشكر من أمسه ويومه وغده وإنما الكلمات ثلاث. فليتصد للإفادة وليعلمهم مثل ماذكر منه أمسه ويومه وغده وإنما الكلمات الثلاث. فليتصد للإفادة وليعلمهم مثل ماذكر فيه من علم النحو نحو هذا وزيادة وليكن للطلبة نجماً به يهتدى وليرفع بتعليمه قدر كل خبر يكون خبراً له وهو المبتدا وليقدم منهم كل من صلح للتبريز واستحق أن ينصب إماماً بالتمييز وليورد من موارده أعذب النطاف وليجر إليه كل مضاف إليه كل مضاف إليه ومضاف وليوقفهم على حقائق الأسماء ويعرفهم دقائق البحوث حتى اشتقاق الاسم هل هو من السمو أو من السيماء وليبين لهم الأسماء الأعجمية المنقولة والعربية الخالصة وليدلهم على أحسن الأفعال لامايشتبه فيه بصفات كان وأخواتها من الأفعال الناقصة وليحفظهم المثل وكلمات الشعراء ولينصب نفسه لحد أذهان بعضهم ببعض نصب الإغراء وليعامل جماعة المستفيدين منه بالعطف ومع هذا كله فليرفق بهم فما بلغ أحد علماً بقوة ولاغايةً بعسف. وهذه وصية لغوي أوردها في التعريف وموضوعه الجلوس بصدر المجلس بجامع أو نحوه. ويجلس متكلم أمامه على كرسي كأنه يقرأ عليه يفتتح بالتفسير ثم بالرقائق والوعظيات فإذا انتهى كلامه وسكت أخذ المتصدر في الكلام على ما هو في معنى تفسير الآية التي يقع الكلام عليها ويستدرج من ذلك إلى ما سنح له من الكلام. وربما أفرد التصدير عن المتكلم على الكرسي. وهذه نسخة توقيع بتصدير أنشأته للشيخ شهاب الدين أحمد الأنصاري الشهير بالشاب التائب بالجامع الأزهر وهي: رسم. لازالت صدقاته الشريفة تخثص المجالس بمن إذا جلس صدر مجلس كان لرتبته أجمل صدرٍ يجتبى من علماء التفسير ومت إذا دقق لم يفهم شرحه إلا عنه وإذا سلك سبيل الإيضاح كان كلامه في الحقيقة تفسير تفسير وتصطفي من سراة الأماثل من دار نعته بين الشاب التائبو الشيخ الصالح فكان له أكرم نعتٍ على كل تقدير - أن يستمر المجلس السامي أدام الله تعالى رفعته - في كذا وكذا لأنه الإمام الذي لا تسامى علومه ولاتسام والعلامة الذي لاتدرك مداركه ولاترام والحبر الذي تنعقد على فضله الخناصر وفارس الحلبة الذي يعترف بالقصور عن مجاراة جياده المناظر وآية التفسير التي لاتنسخ وعقد حقيقته الذي لايفسخ والماهر الذي استحق بمهارته التصدير والجامع لفنونه المتنوعة جمع سلامةٍ لا جمع تكسير وترجمان معانيه الآتي من غرائب تأويله بالعجب العجاب والعارف بهدي طريقه الذي إذا قال قال الذي عنده علم من الكتاب وزاهد الوقت الذي زين بالعلم العمل وناسك الدهر الذي قصر عن مبلغ مداه الأمل. فليتلق ماألقي إليه بالقبول وليستند إلى صدر مجلس يقول فيه ويطول وليبين من معاني كتاب الله ماأجمل ويوضح من خفي مقاصده ماأشكل وليسلك في تفسيره أقوم سنن ويعلن بأسراره الخفية فسر كتاب الله أجدر أن يكون على علن وليجر فيه على ماألف من تحقيقاته فإنه لم يحقق المناظرة فمن وليأخذ مشايخ أهل مجلسه الإحسان ويحض شبابهم على التوبة ليجبهم الله فيتصل في المحبة سندهم فإن الشاب التائب حبيب الرحمن والله تعالى يرقيه إلى أرفع الذرا ويرفع مجلسه السامي على محل الثريا " وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً إن شاء الله تعالى.
وموضوعه التحدث في أمور خاصة بإباحة ضروراتها وعمل مصالحها واستخراج متحصل جهانها وصرفه على الوجه المعتبر ومايجري مجرى ذلك. وتشتمل على عدة أنظار: منها: نظر الأحباس: جمع حبس وهو الوقف: فقد تقدم في المقالة الثانية أنه كان أثل وضعه أراضي اشتراها الإمام الليث بن سعد رضي الله عنه ووقفها على جهات بر ثم تبعه الناس في لإضافة الأوقاف إلى ذلك إلى أن كانت وزارة الصاحب بهاء الدين ابن حنا في سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري فأفرد للجوامع والمساجد والربط والزوايا ونحو ذلك رزقاً وقصر تحدث ناظر الأحباس ومباشريه عليها وأفردت الأوقاف بناظر ومباشرين كما سيأتي: وهذه نسخة توقيع بتدريس الطب بالبيمارستان المنصوري كتب بها لمهذب الدين وهي: الحمد لله الذي دبر بحكمته الوجود وعم برحمته كل موجود وحال بنفع الدواء بين ضر الداء كما حالت عطاياه دون الوعود نحمده ونشكره وهو المشكور المحمود ونثني عليه خير الثناء قياماً وقعوداً وعلى الجنوب وفي السجود ونستزيده من فضله فإنه أهل الفضل والجود. ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة الله بها والملائكة وأول العلم شهود ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المبشر لأمته بالجنات والخلود صلى الله عليه و على آله وصحبه صلاة دائمةً إلى يوم الوعود. وبعد فإنا لما أقام الله بنا شعائر الإيمان وأصبح دينه بحمد الله منصوراً بنا على سائر الأديان وجاهدنا في الله حق الجهاد باليد والقلب واللسان وشيدنا لعلومه وشرائعه كل بديع الإتقان ورتبنا فيه من العلماء الأعيان كل رفيع الشان واخترنا له الأخيار من أهل العلم بالطب والفقه والحديث والقرآن ورأينا كل من تقدمنا من الملوك وإن سلك في سياسة الرعية أحسن سلوك وقد اهتم بعلم الأديان وأهمل علم الأبدان وأنشأ كل منهم مدرسةً ولم يحفل ببيمارستان وغفل عن قوله صلى الله علسه وسلم: العلم علمان ولم يأخذ أحداً من رعيته بالاشتغال بعلم الطب المضطر إليه ولاوقف وقفاً على طلبة هذا العلم المنصوص عليه ولاأعد له مكاناً يحضر منه من يشتغل بهذا الفن فيه ولانصب له شخصاً يتمثل هذا المشتغل لديه - علمنا نحن بحمد الله تعالى من ذلك ما جهلوه وذكرنا من هذه القربة ماأهملوه ووصلنا من هذه الأسباب الدينية والدنيوية مافصلوه وأنشأنا بيمارستاناً يبهر العيون بهجة ويفوق الأبنية بالدليل والحجة وبحفظ الصحة والعافية على كل مهجة لو حله من أشفى لعوجل بالشفا أو جاءه من أكمده السقم لاشتفى أو أشرف عليه العمر بلا شفاء لعاد عنه بشفا ووقفنا عليه من الأوقاف المبرورة مايملأ العينين ويطرف سماع جملته الأذنين ويعيد عنه من أمه مملوء اليدين وأبحنا التداوي فيه لكل شريف ومشروفٍ ومأمور وأمير وساوينا في الانتفاع به بين كل صغير وكبير وعلمنا أن لانظير لنا في ملكنا ولانظير له في لإبقائه فلم نجعل لوقفه وشرطه من نظير وجعلنا فيه مكاناً للاشتغال بعلم الطب الذي كاد أن يجهل وشرعنا للناس إلى ورد بحره أعذب منهل وسهلنا عليهم من أمره ما كان الحلم به من اليقظة أسهل وارتدنا له من علماء الطب من يصلح لإلقاء الدروس وينتفع به الرئيس من أهل الصناعة والمرؤوس ويؤتمن على صحة الأبدان وحفظ النفوس فلم نجد غير رئيس هذه الطائفة أهلاً لهذه المرتبة ولم نرض بها من لم تكن له هذه المنقبة وعلمنا أنه متى وليها أمسى بها معجباً وأضحت به معجبة. ولما كان المجلس السامي مهذب الدين هو الرئيس المشار إليه والوحيد الذي تعقد الخناصر عليه وكان هو الحكيم بقراط بل الجليل سقراط بل الفاضل جالينوس بل الأفضل ديسقوريدوس - اقتضت الآراء الشريفة أن تزاد جلالته بتولية هذا المنصب الجليل جلالة وأن تزف إليه تجر أذيالها ويزف إليها يجرر أذياله وأن يقال: لم يك يصلح إلا لها ولم تك تصلح إلا له فلذلك سم بالأمر الشريف - لازال للدين ناصراً ولأعلام العلوم ناشراً - أن يفوض إليه تدريس الطب بالبيمارستان المبارك المنصوري المستجد الإنشاء بالقاهرة المحروسة علماً بأنه المتمهر في هذا الفن وأنه عند الفراسة فيه والظن وأنه سقراط الإقليم إذا كان غيره سقراط الدن وثقةً بأنا للجوهر التقطنا وبالخير قد اغتبطنا وعلى الخبير قد سقطنا. فليتلق هذه النعمة بالشكر الجليل والحمد الجزيل والثناء الذي هو بالنماء والزيادة كفيل ولينتصب لهذا العلم المبارك انتصاب من يقوم بالفرض منه والسنة ويعرف له فيه الفضل ويتقلد له فيه المنة ويثنى على آثاره الجميلة فيه وتثنى إليه الأعنة وليبطل بتقويمه الصحة ماألفه ابن بطلان وليرنا بتدبيره جبلة البر فإنه جالينوس الزمان وليبذل النجاه من الأمراض والشفاء من الأسقام فإنه ابن سينا الأوان وليجمع عنده شمل الطلبة وليعط كل طالبٍ منهم ماطلبه وليبلغ كل ممتن من الاشتغال أربه وليشرح لهم صدره وليبذل لهم من عمره شطره وليكشف لهم من هذا العلم المكنون سره وليرهم ما خفي عنهم منه جهرة وليجعل منهم جماعة طبائعية وطائفة كحالين وجرائحية وقوماً مجبرين وبالحديد عاملين وأخرى بأسماء الحشائش وقوى الأدوية وأصافها عالمين وليأمر كلاً منهم بحفظ مايجب حفظه ومعرفة ما يزيد به حظه وليأخذه بما يصلح به لسانه ولفظه ولايفتر عنهم في الاشتغال لحظة وليفرد كل علم من العلوم طائفة ولكل فن من فنونه جماعةً بمحاسنه عارفة وليصرف إليهم من وجوه فضائله كل عارفة وليكشف لهم ماأشكل عليه من غوامضه فليس لهم من دون إيضاحه كاشفة لينشر في هذا المكان المبارك من أرباب هذه العلوم قوم بعد قوم ويظهر منهم في الغد - إن شاء الله - أضعاف ماهو ظاهر منهم اليوم وليقال لكل من طلبته إذا شرع في إجازته وتزكيته: لقد أحسن شيخه الذي عليه تأدب وإن من خرج هذا المهذب عاملاً في ذلك بشروط الواقف أعز الله نصره واقفاً عند أمره أمضى الله أمره والخير يكون إن شاء الله تعالى وهذه نسخة توقيع بنظر الأحباس مفتتحة بأما بعد وهي: أما بعد حمد لله الذي أذن أن ترفع بيوته ويذكر فيها اسمه ويكثر فيها قسم ثوابه ويجزل قسمه والصلاة على سيدنا محمد الذي عظم به قطع دابر الكفر زكثر حسمه - فإن خير من عول عليه تأسيس بيوت الله وعمارة ربوعها ولم شعثها وشعب صدوعها والقيام بوظائفها وتسهيل لطائفها وتأهيل نواحيها لهبوط الملائكة لتلقي المصلين فيها من كان ذا عزم لاتأخذه في الله لومة لائن وحزم لايلم بأفعاله لمم المآئم ونظرٍ ثاقب ورغبةٍ في اختيار جميل المآثر والمناقب ومبائرةٍ ترعى قوانين الأمور وتكتنفها اكتناف مراقب. ولما كان فلان ممن هذه الأوصاف شعاره وإلى هذه الأمور بداره وكم كتب الله به للدولة أجر راكع وساجد وكم شكرته وذكرته ألسنة أعلام الجوامع وأفواه محاريب المساجد - اقتضى منيف الملاحظة والمحافظة على كل قريب من بيوت الله وشاهد أن خرج الأمر الشريف - لابرح بكشف الأوجال ويدعو له في الغدو والآصال رجال - أن يفوض لفلان نظر ديوان الأحباس والجوامع والمساجد المعمورة بذكر الله تعالى. فليباشرها مباشرة من يراقب الله إن وقع أو توقع وإن أطاع أو تطوع وإن عزل أو ولي وإن أدب من نهى عبداً إذا صلى وليجتهد كل الاجتهاد في صرف ريع المساجد والجوامع في مصارفها الشرعية وجهاتها المرعية وليأخذ أهلها بالملازمة في أحيانها وأوقاتها وعمارتها بمصابيحها وآلاتها وحفظ مايحفظون به لأجلها ومعاملتهم بالكرامة التي ينبغي أن يعامل مثلهم بمثلها وليحرر في إخراج الحلالات إذا خرجت وأخرجت وفي مستحقات الأجاشر إذا استحقت وإذا عجلت وفي التواقيع إذا أنزلت وإذا نزلت وفي الاستئمارات التي أهملت وكان ينبغي لو أهلت وإذا باشر و ظهر له بالمباشرة خفايا هذا الديوان وفهم ماتحتويه جرائد الإحسان فليكن إلى مصالحه أول مبادر ويكفيه تدبر قوله تعالى: " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر " قلت: وقد كنت أنشأت توقيعاً بنظر الأحباس للقاضي بدر الدين حسن الشهير بابن الداية مفتتحاً بالحمد لله جاء فرداً في بابه إلا أن مسودته غيبت عني فلم أجدها لأثبتها هاهنا كما أثبت غيرها مما أنشأته: من البيعات والعهود والتواقيع والرسائل وغير ذلك. ومنها - نظر الأوقاف بمصر والقاهرة المحروستين ويدخل فيه أوقاف الحرمين وغيرهما. وهذه نسخة توقيع بنظرها وهي: الحمد لله الذي حفظ معالم البر من الدثور وأحيا آثار المعروف والأجور وصان الأوقاف المحبسة من تبديل الشروط على توالي الأيام والشهور. نحمده على فضله الموفور ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة لها في القلوب نور على نور ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد المنصور الطالع البدور المبعوث بالفرقان والنور والمنعوت في التوراة والإنجيل والزبور صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ماكرت الدهور وطلعت كواكب ثم توغر. وبعد فإن أهل الخير من المؤمنين تقربوا إلى الله سبحانه وتعالى من طيبات أموالهم بأوقاف وقفوها على وجوه البر وعرفوها وجعلوا لها شروطاً ووصفوها فتقبل الله لهم ذلك ثم ماتوا فما انقطع عملهم بها وهم في برزخ المهالك ووليها بعدهم الأمناء من النظار فقاموا بحقوقها وحفظ الآثار وأجروا برها الدار في كل دار وصانوا معالمها ن الأغيار وشاركوا واقفيها في الصدقة لأنهم خزان أمناء أخيار. ولما كان فلانهو الذي لايتدنس عرضه بشائبة ولاتمسي المصالح وهي عن فكره غائبة ولاتبرح نجوم السعود طالعةً عليه غير غائبة وهو أهل أن يناط به التحدث في جهات البر الموقوفة وأموال الخير المصروفة لأنه نزه نفسه عماليس له فلو كانت أموال غيره غنماً ما اختص منها بصوفة فلذلك رسم. فليباشر هذه الوظيفة مباشرة حسنة التأثير جميلة التثمير مأمونة التغيير مخصوصة بالتعبير ولينظر في هذه الأوقاف على اختلافها من ربوع ومباني ومساكن ومغاني وخاناتٍ مسبلة وحوانيت مكملة ومسقفات معمورة وساحاتٍ مأجورة غير مهجورة وليبدأ بالعمارة فإنها تحفظ العين وتكفي البناء دثوره وليتبع شروط الوقفين ولايعدل عنها فإن في ذلك سروره ويندرج في هذه الأوقاف ماهو على المساجد ومواطن الذكر: فليقم شهارها وليحفظ آثارها وليرفع منارها والوصايا كثيرة التقوى ظلها المخطوب ومراقبة الله أصلها المطلوب ووصلها المحبوب والله تعالى يجمع على محبته القلوب بمنه وكرمه!. ومنها - البيمارستان المنصوري بين القصرين لأرباب الأقلام وهو من أجل الأنظار وأرفعها قدراً مازال يتولاه الوزراء وكتاب السر ومنفي معناهم. وهذه سخة توقيع من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهي: الحمد لله رافع قدر من كان في خدمتنا الشريفة كريم الخلال ومعلي درجة من أضفى عليه الإخلاص في طاعتنا العلية مديد الظلال ومجدد نعم من لم يخصه اعتناؤنا بغاية إلا ورقته همته فيها إلى أسنى رتب الكمال ومفوض النظر في قرب سلفنا الطاهر إلى من لم يلاحظ من خواصنا أمراً إلا سرنا ما نشاهد فيه من الأحوال الحوال. نحمده على نعمه التي لاتزال تسري إلى الأولياء عورافها ومننه التي لاتبرح تشمل الأصفياء عواطفها وآلائه التي تسدد آراءنا في تفويض قربنا إلى من إذا باشرها سر بسيرته السرية مستحقها وواقفها. ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة رفع الإخلاص لواءها وأفاض الإيمان على وجوه جملتها إشراقها وضياءها ووالى الإيقان إعادة أدائها بمواقف الحق وإبداءها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المخصوص بعموم الشفاعة العظمى المقصوص في السنة ذكر حوضه الذي من شرب منه شربةً فإنه بعدها لايظما المنصوص على نبوته في الصحف المنزلة وبشرت به الهواتف نثراً ونظماً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فازوا من طاعته بالرتب الفاخرة وحازوا بالإخلاص في محبته سعادة الدنيا والأخرة وأقبلوا على حظهم من رضا الله ورضاه فلم يلوا على خدع الدنيا الساحرة صلاةً دائمة الاتصال آمنةً شمس دولتها من الغروب والزوال وسلم تسليماً كثيراً. وبعد فإن أولى الأمور بإنعام النظر في مصالحها وأحقها بتوفير الفكر على اعتبار مناهجها واعتماد مناجحها - أمر جهات البر التي تقرب والدنا السلطان الشهيد - قدس الله روحه - بها إلى من أفاض نعمه عليه وتنوع في إنشائها فأحسن فيها كما أحسن الله إليه ورغب بها فيما عند الله لعلمه أن ذلك من أنفس الذخائر التي أعدها بين يديه وحل منها في أكرم بقعة نقله الله بها عن سريره إلى مقعد صدق عند ربه وعمر بها مواطن العبادة في ويم سلمه بعد أن عفى على معاقل الكفر في يوم حربه وأقام بها منار العلوم فعلا منالها وأعد للضعفاء بها من مواد البر والإلطاف مالو تعاطته الأغنياء قصرت عن التطاول إليه أموالها وأن نرتاد لها من إذا فوضنا إليه أمراً تحققنا صلاحه وتيقنا نجاحه واعتقدنا تنمية أمواله واعتمدنا في مضاعفة ارتفاعه وانتفاعه على أقواله وأفعاله وعلمنا من ذلك مالانحتاج فيه إلى أخبار ولااختبار ولايحتاج في بيان الخيرة فيه إلى دليل إلا إذا احتاج إليه النهار لنكون في هذا بمثابة من ضاعف لهذه القرب أسباب ثوابها أو جدد لها وقفاً لكونه أتى بيوت الإحسان في ارتياد الأكفاء لها من أبوابها. ولذلك لما كان فلان هو الذي صان أموال خواصنا وأبان عن يمن الآراء في استئثارنا به لمصالحنا الخاصة واختصاصنا واعتددنا بجميل نظره في أسباب التدبير التي تملأ الخزائن وتدل على أن من الأولياء من هو أوقع على المقاصد من سهامم الكنائن وتحقق أنه كما في العناصر الأربعة معادن فكذلك في الرجال معادن ونبهت أوصافه على أنه ماولي أمراً إلا وكان فوق ذلك قدراً ولااعتمد عليه فيما تضيق عنه همم الأولياء إلا رحب به صدراً ولاطلع في أفق رتبه هلالاً إلا وتأملته العيون في أجل درج الكمال بدراً يدرك مانأى من مصالح مايليه بأدنى نظر ويسبق في سداد مايباشره على مايجب سداد الآراء ومواقع الفكر فنحن نزداد كل يوم غبطة بتدبيره ونتحقق أن كل ماعدقنا به إليه من أمرٍ جليلٍ فقد أسندناه إلى عارفه وفوضناه إلى خبيره - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعدق بجميل نظره أمر هذا المهم المقدم لدينا وأن نفوض إليه فرسم بالأمر الشريف - لازال فضله عميماً وبره يقدم في الرتب من كان من الأولياء كريماً - أن يفوض إليه كيت وكيت. فليل هذه الرتبة التي أريد بها وجه الله وماكان لله فهو أهم وقصد بها النفع المتعدي إلى العلماء والفقراء والضعفاء ومراعاة ذلك من أخص المصالح وأعم ولينظر في عموم مصالحها وخصوصها نظراً يسد خللها ويزسح عللها ويعمر أصولها ويثمر محصولها ويحفظ في أماكنها أموالها ويقيم معالم العلوم في أرجائها ويستنزل بها مواد الرحمة لساكنها بألسنة قرائها ويستعيد صحة من بها من الضعفاء بإعداد الذخائر لملاطفة أسقامها ومعالجة أدوائها ويحافظ على شروط الواقف - قدس الله روحه - في إقامة وظائفها واعتبار مصارفها وتقديم ماقدمه مع ملاءة تدبيره باستكمال ذلك على أكمل مايجب وتمييز حواصلها لما يستدعي إليها من الأصناف التي يعز وجودها ويجتلب وضبط تلك الحواصل التي لاخزائن لها أوثق من أيدي أمنائه وثقاته ولامودع لها أوفق من أمانة من يتقي الله حق تقاته وليفعل في لذك جميعه ماعرفناه من تدبيره الجميل خبراً وخبراً وحمدناه في كل مايليه ورداً في المصالح وصدراً فإنه - يحمد الله - الميمون نظراً وتصرفاً المأمون نزاهة وتعففاً الكريم سجيةً وطباعاً الرحيب في تبقي المهمات الجليلة صدراً وباعاً فلذلك وكلناه في الوصايا إلى حسن معرفته واطلاعه ويمن نهوضه بمصالحنا وإطلاعه والله تعالى يسدده في قوله وعمله ويحقق بالوقوف مع مراضي الله تعالى ومراضينا غاية أمله إن شاء الله تعالى. ومنها - نظر الجامع الناصري بقلعة الجبل. وهذه نسخة توقيع بنظره كتب به للقاضي جلال الدين القزويني وهو يومئذ قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية وهي: الحمد لله الذي زاد بنا الدين رفعةً وجلالا وجعل لنا على منار الإسلام إقبالاً وأحسن لنظرنا الشريف في كل اختيار مآلا ووفق مرامي مرامنا لمن أخلصنا عليه اتكالا. نحمده حمداً يتواتر ويتوالى ويقرب من المنى منالا وتنير به معاهد نعمه عندنا وتتلالا ونديمه إدامةً لانبغي عنها حولاً ولا انتقالا. ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادةً نصدقها نية ومقالا ونرجو بالتغالي فيها القبول منه تعالى ويتراسل عليها القلب واللسان فلا يعتري ذاك سهو ولايخاف هذا كلالا ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي كرم صحابه وآلا ودلهم على الرشد فورثوه علماء الأمة رجالا صلى الله عليه وعليهم صلاةً نسترعي عليها من الحفظة أكفاءً أكفالا ونستمد لرقمها المذهبات بكراً وآصال وتسمو إليه الأنفاس سمو حباب الماء حالاً فحالا مامدت الليالي على أيامها وبعد فإن من بنى حق عليه أن يشيد ومن أراد أن سنته الحسنى تبقى فليتخذ معيناً على مايريد ومن أنشأ برا فلابد مباشرٍعنه يضمن له التجدي ويظن به مع تأثيره التخليد ومن تاجر لله لمعروف فما يسخو بالمشاركة فيه لمن يقوم مقام نفسه أو يزيد ومن بدأ جميلاً فشرط صلاحه أن يسنده إلى من له بالمراقبة تقييد فيما يبديء ويعيد وأي إشادة أقوى من التأسيس على التقوى أو معين أجل من حاكم استخلصناه لنا ولإخواننا المسلمين أو مباشر أنفع من سيد ارتدى بالمجد وتلفع وتروى بالعلوم وتضلع أو مشاركٍ في الخير أولى من ولي قلدناه ديننا قبل الدنيا وأعليناه بالمنصبين: الحكم والخطابة فتصرف منهما بين الكلمة العالية والدرجة العليا أو أحسن مراقبةً من حبر يعبد الله كأنه يراه وإمام يدعو إليه دعاء أوابٍ أواه ثد انفرد بمجموع المحاسن يقيناً وأصبح قدره الجلي الجليل يعينا وعن المدائح يغنينا فحسبنا الوصف إيضاحاً وتبيينا ولكن نصرح باسمه تنويهاً وتعيينا وتحسيناً لسيرة أيامنا الشريفة بعالم زمانها وتزيننا لاعذر لفكر لم ينضد مناقبه وقد تمثلت معاليه جواهر وقلمٍ لم يوش الطروس بمعانيه بعدما زان من فنونها أنواع الأزاهر وهو المجلس العالي القضائي الإمامي العالمي العاملي العلامي الكاملي الفاضلي القدوي المفيدي الخاشعي الناسكي الورعي الحاكمي الجلالي حجة الإسلام والمسلمين قدوة العلماء العاملين في العالمين بركة الأمة علامة الأئمة عز السنة مؤيد الدولة سيف الشريعة شمس النظر مفتي الغرر خطيب الخطباء إمام البلغاء لسان المتكلمين حكم الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين أبو المعالي محمد ابن قاضي القضاة سعد الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن عمربن أحمد ابن قاضي القضاة الشافعية: أدام الله عزة الشرع الشريف بأحكامه وترفيه سيوف الجلاد وأسله بلسان جداله وأقلامه قاض يفرق بين المهترجين برأي لايطيش حلمه ولايزل حكمه ويتقي الشبهات بورع يتبعه عمله ويهديه علمه مالحظ جهةً إلا حظيت ببركة دارةً مزنها ساريةٍ مناجحها سار يمنها ولا أقبل على بيتٍ من بيوت الله إلا من حن إلى سبحات الجلال ولاتكلم في وقفٍ إلا أجراه في صالح الأعمال على أقوم مثال ونحن لهذه المزايا نرد إلى نظره الكريم ماأهمنا من عمارة مسجدٍ وجامع ونقلده من أوقافنا مايخلفنا فيه خيراً فإن الأوقاف ودائع. فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري - لايزال يصيب الصواب ولايعدو أولي الألباب - أن يفوض إليه نظر الجامع الناصري المعمور بذكر الله تعالى بقلعة الجبل المحروسة وأوقافه والنظرعلى التربة والمدرسة الأشرفيين وأوقافهما. ومنها - نظر مشهد الإمام الحسين رضي الله عنه بالقاهرة المحروسة. وقد تقدم في الكلام على خطط القاهرة في المقالة الثانية أن الصالح طلائع بن رزيك حين قصد نقل رأس الإمام الحسين إلى القاهرة بنى لذلك جامعه خارج بابي زويلة فبلغ ذلك الخليفة فأفرد بها هذه القاعة من قاعات القصر وأمر بنقلها إليها. وهذه نسخة توقيع بنظره من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهي: الحمد لله الذي جعل مواطن الشرف في أيامنا الزاهرة محصورة في أكفائها ومشاهد السيادة في دولتنا القاهرة مقصورةً على من حبته أوامرنا باعتنائها وخصته آلاؤنا باصطفائها الذي أجرى حسن النظر في مظان الآباء الطاهرة على يد من طلع في أفق العلياء من أبنائها وعمر معاهد القربات بتدبير من بدأ بقواعد دينه وأجاد إحكام تشييدها وإتقان بنائها. نحمده على ماخصت به أيامنا من رفع أقدار ذوي السيادة والشرف واتصف به إنعامنا من مزبد بر علم بحسن ظهوره على الأولياء أن الخير في الشرف. ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادةً يعرف بها من اعترف ويشرف قدر من له بالمحافظة عليها شغف ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي طهر الله بضعته الزهراءوبنيها وخصهم بمزية القربى التي نزهه أن يسأل على الهداية أجراً إلا المودة فيها صلى الله عليه وعلى آله الذين هم أجدر بالكرم وأحق بمحاسن الشيم ومامنهم إلا من تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم وعلى آله وأصحابه الذين أنعم الله به عليهم واتبعوه في ساعة وبعد فإن أولى من زينت به مواطن الشرف وعدقت به العناية بخدمة من درج من بيت النبوة وسلفت وعمرت به مشاهد آثارهم التي هي في الحقيقة لهم غرف ونالت الدولة من تدبيره الجميل بعض حظها وخصت بقعته المباركة من نظره بما ينوب في خدمة محله الشريف عن مواقع لحظها وجعلت به لابن رسول الله من خدمة أبيه معها نصيباً وفعلت ذلك إذ خبرت خدمته أجنبياً علماً أنها تتضاعف له إذا كان نسبياً وحكمت بماقام عندها مقام الثبوت وأمرته أن يبدأ بخدمة أهل البيت فإن لازمها لديها مقدم على البيوت - من طلع شهاب فضله من الشرف السني في أكرم أفق وأحاطت به أسباب السؤدد من سائر الوجوه إحاطة الطوق بالعنق وزان الشرف بالسؤدد والعلم بالعمل والرياسة باللطف فاختارته المناصب واختالت به الدول وتقدم بنفسه ونفاسة أصله فكان شوط من تقدمه وراء خطوه وهو يمشي على مهل واصطفته الدولة القاهرة لنفسها فتمسك من الموالاة بأوثق أسبابها واعتمدت عليه في بث نعمها وبعث كرمها فعرف في ذلك الأمور من وجهها وأتى البيوت من أبوابنا العالية لحسن سيرته في إكرامهم السرى واكتفت حتى مع ترك الكرامة إليهم ببشاشة وجهه التي هي خير من القرى وصان البيوت عن الإقواء بتدبيره الذي هو من مواد الأرزاق وزاد الحواصل بتثميره مع كثرة الكلف التي لو حاكتها الغمائم لأمسكت خشية الإنفاق. ولما كان فلان هو الذي تليت مناقب بيته الطاهر وجليت مفاخر أصله الزاهر وتجملت بشرف خلاله خلال الشرف التي تركها الأول للآخر وكان مشهد الإمام السيج الحسين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام بالقاهرة المحروسة بقعةً هي منتجع الرحمة ومظنه إجابة الأمة وروضة من شرفت بانتقاله إليها وتربة شهيد الزهراء صلوات الله على أبيها وعليها وبه الآنمن رواتب القربات ووظائف العلوم وجهات الخير مايحتاج إلى اختيار من يجمل النظر فيه ويسلك نهج سلفه في الإعراض عن عرض الدنيا ويقتفيه - رأينا أن نختار لذلك لأنفسنا فكان الكفء الكريم واختبرناه لمصالحنا فخبرنا منه الحفيظ العليم وأن نقدم مهم ذلك البيت على مهم بيوتنا فإن حقوق آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالتعظيم. فلذلك رسم بالأمر الشريف - لازالت مكارمه ذوي القربى جديرة ومراسيمه على إقدار ذوي الرتب على مايجب قديرة - أن يفوض إليه النظر على مشهد الإمام الحسين انب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام بالقاهرة المحروسة على قاعدة من تقدمه في ذلك بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف: لما قدمناه من أسباب رجحته لذلك وبيناه من أمور أوضحت في اختيارنا له المسالك ومن أولى منه بهذه الرتبة التي شهدت له باستحقاقها مناصبه ومناسبه أو أقدر منه على أمثال هذه الوظيفة وقد أقرت بكماله وكرم خلاله مراتب الباب الشريف فليمعن النظر في مباشرة أوقاف هذه البقعة المباركة مظهراً ثمرة تفويضها إليه مبيناً نتيجة تعرضها له وعرضها عليه منبهاً على سر التوفيق فيما وضع أمرنا من مقاليد أمرها في يديه مجتهداً في تمييز أموال الوقف من كل كاتب حديث موضحاً من شفقة الولدعلى مانسب إلى الوالد ماشهدت به في حقها الأحاديث سالكاً من خدمة ذلك المشهد مايشهد له به غداً عند جده ناشراً من عنايته به لواء فضل رفعه في الحقيقة رفع لمجده وليلحظ تلك المصالح بنظره الذي يزيد أموالها تثميراً ورباعها تعميراً وحواصلها تمييزاً وتوفيراً وارج أيها السيد الشريف عند الله تعالى بذلك عن كل حسنة عشراً إن ذلك كان على الله يسيراً وصن ما بيدك عن شوائب الأدناس: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ". وقد خبرنا من سيرتك وسريرتك مالانحتاج أن نزداد به خبرا ولأن نبلوه بعدما سلف مرةً أخرى ولكن نذكرك بتقوى الله التي أنت بهامتصف وبوجودها فيك معروف وبوجوبها عليك تعترف فقدمها بين يديك واجعلها العمدة فيما اعتمدنا فيه عليك إن شاء الله تعالى. المرتبة الثالثة ما يكتب في قطع العادة الصغير من الوظائف الدينية ما يكتب في قطع العادة الصغير مفتتحاً برسم بالأمر الشريف وهو لمن كانت رتبته مجلس القاضي وربما كتب فيه بالسامي بغير ياء لمن قصد تعظيمه وهو قليل وبه يكتب لأرباب الوظائف الصغار من الخطباء والمدرسين ونظار الأوقاف وغيرهم ممن لاينحصر كثرةً. وهذه نسخة توقيع بنظر البيمارستان العتيق الذي رتبه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في بعض قاعات قصر الفاطميين وهي: رسم بالأمر الشريف - لازالت أيامه تفيد علاء وتستخدم أكفاء وتضفي ملابس النعماء على كل علي فتكسوه بهجة وبهاء - أن يستقر فلان في نظر البيمارستان الصلاحي بالقاهرة المحروسة بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت لكفاءته التي اشتهر ذكرها وأمانته التي صدق خبرها خبرها ونزاهته التي أضحى بها علي النفس فغدا بكل ثناء ملياً ورياسته التي أحلت قدرة أسمى رتبةٍ فلا غرو أن يكون علياً. فليباشر نظر البيمارستان المذكور مباشرةً يظهر بها انتفاعه وتتميز بها أوضاعه ويضحى عامر الأرجاء والنواحي ويقول لسان حاله عند حسن نظره وجميل تصرفه: الآن كما بدا صلاحي وليجعل همته مصروفةً إلى ضبط مقبوضة ومصروفة ويظهر نهضته المعروفة بتثمير ريعه حتى تتضاعف مواد معروفه ويلاحظ أحوال من فيه ملاحظةً تذهب عنهم الباس ويراع مصالح حاله في تنميته وتزكيته حتى لايزال منه شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس وليتناول واعلم أن من تواقيع أرباب الوظائف الدينية مايكتب في هيئة أوراق الطريق أو على ظهر القصص وقد تقدم: وهذه نسخة توقيع بالتحدث في وقف: رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني - أعلاه الله تعالى وشرفه وأنفذه وصرفه - أن يستقر القاضي فلان الدين فلان في التحدث في الوقف الفلاني بما لذلك من المعلوم الشاهد به كتاب الوقف. فليعمتد هذا المرسوم الشريف كل واقف عليه ويعمل بحسبه وبمقتضاه بعد الخط الشريف إن شاء الله تعالى.
|